كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فبعثوا إليه: إن أشراف قومك قد اجتمعوا إليك ليكلموك، قال: فجاءهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم سريعا وهو يظن أن قد بدا لقومه في أمره بداء، وكان عليهم حريصا يحب رشدهم، ويعز عليه عنتهم، وذكر القصة.
فلما قام عنهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال أبو جهل يا معشر قريش! إن محمدا قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا، وشتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وسب آلهتنا، وإني أعاهد الله لأجلسنّ له غدا بحجر ما أطيق حمله- أو كما قال- فإذا سجد في صلاته رضخت به رأسه، فأسلموني عند ذلك أو امنعوني، فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم.
قالوا: والله لا نسلمك لشيء أبدا، فامض لما تريد، فلما أصبح أبو جهل أخذ حجرا كما وصف، وجلس لرسول الله صلّى الله عليه وسلم ينتظره، وغدا رسول الله صلّى الله عليه وسلم كما كان يغدو، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم بمكة وقبلته إلى الشام، فكان إذا صلّى صلّى بين الركنين اليماني والأسود، وجعل الكعبة بينه وبين الشام، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقد قعدت قريش في أنديتها ينتظرون ما أبو جهل فاعل، فلما سجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم احتمل أبو جهل الحجر ثم أقبل نحوه، حتى إذا دنا منه رجع منهزما منتقعا لونه، مرعوبا، قد يبست يداه على الحجر، فقذف الحجر من يده.
وقامت إليه رجال قريش فقالوا: مالك يا أبا الحكم؟! قال: قمت إليه لأفعل ما قلت لكم البارحة، فلما دنوت منه عرض دونه فحل من الإبل! لا والله ما رأيت مثل هامته ولا قصرته ولا أنيابه لفحل قط، فهم بأن يأكلني، فذكر لي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال:
ذاك جبريل، لو دنا منه لأخذه. فلما قال لهم أبو جهل ذلك، قام النضر بن الحرث فقال: يا معشر قريش! إنه والله لقد نزل بكم أمر ما ابتليتم بمثله قط.
ولأبي نعيم من حديث إبراهيم بن المنذر الحزامي قال: حدثنا بن عمران قال:
حدثني عبد الله وعبد الرحمن ابنا زيد بن أسلم عن أبيهما، عن عطاء بن يسار عن ابن عباس، أن أربد بن قيس بن جزع بن جعفر بن خالد بن كلاب، وعامر بن الطفيل بن مالك قدما المدينة على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فانتهيا إلى النبي صلّى الله عليه وسلم وهو جالس فجلسا بين يديه، فقال عامر بن الطفيل: يا محمد! ما تجعل لي إن أسلمت؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم، قال عامر: أتجعل لي الأمر إن أسلمت من بعدك؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ليس ذلك لك ولا لقومك ولكن لك أعنة الخيل، قال: أنا الآن في أعنة خيل نجد، اجعل لي الوبر ولك المدر قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: لا، فلما قفا من عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال عامر: أما والله لأملأنها عليك خيلا ورجالا، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم يمنعك الله، فلما خرج أربد وعامر، قال عامر: إني أشغل عنك محمدا بالحديث فاضربه بالسيف، فإن الناس إذا قتلت محمدا لم يزيدوا على أن يرضوا بالدية ويكرهوا الحرب، فسنعطيهم الدية، قال أربد: أفعل.
فأقبلا راجعين إلى النبي صلّى الله عليه وسلم، فقال عامر: يا محمد! قم معي أكلمك، فقام معه رسول الله صلّى الله عليه وسلم يكلمه، وسلّ أربد السيف فلما وضع يده على سيفه يبست على قائم السيف فلم يستطع سلّه، وأبطأ أربد على عامر بالضرب، فالتفت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فرأى أربد وما يصنع فانصرف عنهما.
فلما خرج عامر وأربد من عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى إذا كانا بالحرة- حرة وأقم- نزلا فخرج إليهما سعد بن معاذ وأسيد بن حضير فقالا: اشخصا يا عدوي الله، لعنكما الله، فقال عامر: من هذا يا سعد؟ قال: هذا أسيد بن حضير الكتائب، قال فخرجا حتى إذا كانا بالرقم أرسل الله على أربد صاعقة فقتلته.
وخرج عامر حتى إذا كان بالخريب أرسل الله عليه قرحة فأخذته، فأدركه الليل في بيت امرأة من بني سلول يرغب أن يموت في بيتها ثم ركب فرسه فأحضره حتى مات عليه راجعا، فأنزل الله فيهما: {الله يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ} [13: 8] إلى قوله: {وَما لَهُمْ من دُونِهِ من والٍ} [13: 11]، قال: المعقبات من أمر الله: يحفطون محمدا صلّى الله عليه وسلم ثم ذكر أربد وما هم به فقال: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ} [13: 12] الآية إلى قوله: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ} [13: 13].
قال الواقدي: حدثني عبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير قال: قدم عامر بن الطفيل وأربد بن قيس على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقد توافقا على ما توافقا عليه من الغدر برسول الله صلّى الله عليه وسلم، فلما قدما قال عامر: خالني، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: يأبى الله ذلك، وأينا قتله، فلما ولى عامر قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: اللَّهمّ اكفني عامر بن الطفيل.
فلما خرجا قال عامر لأربد: أين ما كنت أوصيتك ووعدتني؟ قال: والله ما كان على الأرض أحد أخوف عندي على نفسي منك، وأيم الله لا أخافك بعد اليوم، قال أربد: لا أبا لك، لا تعجل فو الله ما هممت بالذي أمرتني به من أمره إلا دخلت بيني وبينه، حتى لو ضربته بالسيف ما ضربت غيرك، فترى أني كنت ضاربك، لا أبا لك!.
قال: فخرجا راجعين إلى بلادهما، حتى إذا كانا ببعض الطريق أصاب عامر الطاعون في عنقه فقتله في بيت امرأة من سلول، ثم خرج أربد ومن معه من أصحابه حين رأوا عامرا قد مات، فقدموا أرض بني عامر فقالت بنو عامر: يا أربد! ما وراءك؟
قال: لا شيء، والله لقد دعاني إلى عبادة شيء ليته الآن عندي فأرميه بمثل هذه- وأشار إلى مكان قريب- حتى أقبله، فخرج أربد بعد ذلك بيوم أو يومين معه جمل له يتبعه، فأرسل الله صاعقة فاحترق هو وجمله، فبكاه لبيد فقال: أخشى على أربد الحتوف ولا..
القصيدة، وذكر القصة أيضا باختصار، وذكرها ابن إسحاق مطولة.
ومن حديث الليث بن سعد عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن أبان ابن صالح عن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: كنت يوما في المسجد فأقبل أبو جهل فقال: للَّه عليّ إن رأيت محمدا ساجدا أن أطأ على رقبته، فخرجت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخبرته بقول أبي جهل، فخرج غضبان حتى جاء المسجد، وعجل أن يدخل من الباب، فاقتحم الحائط فقلت: هذا شر! فائتزرت ثم اتبعته.
فدخل يقرأ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ من عَلَقٍ} [96: 1- 2]، فلما بلغ شأن أبي جهل: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى} [96: 6- 7]، قال إنسان لأبي جهل: هذا محمد، فقال أبو جهل: ما ترون ما أرى! والله لقد سدّ أفق السماء عليّ، فلما بلغ النبي صلّى الله عليه وسلم آخر السورة سجد.
ومن حديث محمد بن عثمان عن أبي شيبة قال: حدثنا ضرار بن صرد، حدثنا معتمر بن سليمان قال: سمعت أبي يذكر عن نعيم بن أبي هند عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو جهل: أيعفر محمد وجهه بين أظهركم؟
قالوا: نعم، قال: والله لئن رأيته يفعل لأطأن رقبته، ولأعفرن وجهه في التراب.
فأتاه وهو يصلي ليطأ على رقبته، فما علم به إلا وهو ينكص على عقبيه ويرجع إلى خلفه ويتقي بيده، فقيل له: مالك؟ قال: رأيت بيني وبينه خندقا من نار وهولا، ورأيت ملائكة ذوي أجنحة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: أما لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا، وأنزل الله تعالى: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى} [96: 6- 7]، إلى قوله: {إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [96: 13] يعني أبا جهل {فَلْيَدْعُ نادِيَهُ} [96: 17]: قومه {سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ} [96: 18]: الملائكة. وقد رويت من طرق عن ابن عباس. وقال الزبير بن بكار: حدثنا أبو يحيى هارون وخرج الترمذي من حديث عبد الرزاق عن معمر عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة عن ابن عباس: {سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ} [96: 18]، قال: قال أبو جهل: لئن رأيت محمدا يصلي لأطأن على عنقه، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: لو فعل لأخذته الملائكة عيانا. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب صحيح.
وقال الزبير بن بكار: حدثنا أبو يحيى هارون بن عبد الله الزبيري عن عبد الله بن سلمة عن عبد الله بن عروة بن الزبير عن أبيه عروة بن الزبير قال: حدثني عمرو بن عثمان بن عفان عن أبيه عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: أكثر ما نالت قريش من رسول الله صلّى الله عليه وسلم أني رأيته يوما- قال عمرو: ورأيت عيني عثمان ذرفتا حين ذكر ذلك.
قال عثمان: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم- يطوف بالبيت ويده في يد أبي بكر رضي الله عنه، وفي الحجر ثلاثة جلوس: عتبة بن أبي معيط، وأبو جهل، وأمية بن خلف، فمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلما حاذاهم أسمعوه بعض ما يكره، فعرف ذلك في وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فدنوت منه حتى وسطته، فكان بيني وبين أبي بكر وأدخل أصابعه في أصابعي حتى طفنا جميعا، فلما حاذاهم قالوا: والله ما نصالحك ما بلّ بحر صوفة وأنت تنهانا أن نعبد ما كان يعبد آباؤنا.
فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم إنا على ذلك، ثم مضى، فصنعوا به في الشوط الثالث مثل ذلك، حتى إذا كان في الشوط الرابع ناهضوه ووثب أبو جهل يريد أن يأخذ بمجمع ثوبه فدفعته في صدره فوقع على استه، ودفع أبو بكر أمية بن خلف، ودفع رسول الله صلّى الله عليه وسلم عقبة بن أبي معيط ثم انفرجوا عن رسول الله وهو واقف، ثم قال لهم: أما والله لا تنتهون حتى يحلكم الله عقابه عاجلا. قال عثمان رضي الله عنه: فو الله ما منهم رجل إلا وقد أخذه أفكل وهو يرتعد، فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: بئس أنتم لنبيكم، ثم انصرف إلى بيته وتبعناه فقال: أبشروا فإن الله مظهر دينه ومتم كلمته وناصر نبيه، إن هؤلاء الذين ترون ممن يذبح الله بأيديكم عاجلا، ثم انصرفنا إلى بيوتنا، قال: فو الله لقد رأيتهم ذبحهم الله بأيدينا. ومن حديث علي بن مسهر وعبد الأعلى بن عبد الأعلى قالا: حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة، عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: ما رأيت قريشا أرادوا قتل النبي صلّى الله عليه وسلم إلا يوم ائتمروا به وهم جلوس في ظل الكعبة، ورسول الله صلّى الله عليه وسلم يصلي عند المقام، فقام إليه عقبة بن أبي معيط فجعل رداءه في عنقه ثم جذبه حتى وجب لركبتيه ساقطا، وتصايح الناس فظنوا أنه مقتول، فأقبل أبو بكر رضي الله عنه يشتد حتى أخذ بضبعي رسول الله من ورائه وهو يقول:
أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؟ ثم انصرفوا عن النبي صلّى الله عليه وسلم، فقام فصلّى.
فلما قضى صلاته مر بهم وهم جلوس في ظل الكعبة فقال: يا معشر قريش! أما والّذي نفسي بيده ما أرسلت إليكم إلا بالذبح- وأشار بيده إلى حلقه- فقال أبو جهل: يا محمد، ما كنت جهولا، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم: أنت منهم. قال أبو نعيم: ورواه سليمان بن بلال عن هشام بن عروة عن أبيه عن عمرو ابن العاص نحوه، ورواه محمد بن إسحاق عن يحيى بن عروة بن الزبير عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص نحوه وقال: يا معشر قريش! أما والّذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح. قال: فأخذت القوم كلهم كلمته حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طير واقع، حتى إنّ أشدهم فيه وصاة قبل ذلك ليرفأه بأحسن ما يجد من القول حتى إنه ليقول: انصرف يا أبا القاسم راشدا، فو الله ما كنت جهولا.
ومن حديث داود بن أبي هند عن قيس بن حبتر قال: قالت ابنة الحكم:
قلت لجدي الحكم: ما رأيت قوما أعجز منكم ولا أسوأ رأيا يا بني أمية في رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قال: لا تلومينا يا بنية، إني لا أحدثك إلا ما رأيت بعيني هاتين، قلنا: والله لا نزال نسمع قريشا تعلى أصواتها على رسول الله صلّى الله عليه وسلم في هذا المسجد، تواعدوا له حتى يأخذوه.
قال: فتواعدنا فجئنا إليه لنأخذه فسمعنا صوتا ما ظننا أنه بقي جبل بتهامة إلا تفتت.
قال: فغشى علينا فما عقلنا حتى قضى صلاته ورجع إلى أهله، ثم تواعدنا له ليلة أخرى، فلما جاء نهضنا إليه فجاء الصفا والمروة حتى التقتا إحداهما بالأخرى فحالتا بيننا وبينه، فو الله ما نفعنا ذلك حتى رزقنا الله الإسلام وأذن لنا فيه.